أقف
أمام المرآة الكبيرة المعلقة فوق حوض
الحمام..
أتأمل
وجهي الحليق جيدا..
أمعن
االنظر في ملامحي و تفاصيل وجهي..
و
انا أسترجع في مخيلتي أحداث يومي الحافل
بالأنتصارات و أبتسم
لنفسي بتلذذ
أري
نفسي واقفا بجوار رئيسي بالعمل وهو يوبخ
زملائي..
يكتسي
وجهي بملامح الأسي والأسف..
أحاول
جاهدًا إخفاء شعور الشماتة بداخلي و منع
ابتسامة عريضة من القفز على وجهي..
فلولا
حماقتهم ما كنت استطعت اغتنام هذه الفرصة
في اكتساب ثقة مديري و التشكيك في قدراتهم!
كم
بدوت عظيمًا الىوم في العمل وكيف استغليت
الخطأ الذي ارتكبه أحد هؤلاء الحمقى لأبدو
متفوقًا على الجميع بل والأكثر حرصًا على
مصلحة المؤسسة!..
قد
يقول البعض أنني شخص استغلالي وأناني..
فقد
كان يمكنني أن أنبههم ليتداركوا الخطأ..
و
لكنني لم أفعل..
فكيف
لي أن أتجاهل هذه
الفرصة لإعلاء أسهمي في
الشركة حتى و لو كانت على حساب زملائي؟!!
أحاول
تذكر الملامح المرسومة على وجوههم حينها
و لكنني أفشل..
بل
أفشل أيضًا في تذكر ملامح أيًّا منهم
مطلقًا..
فوجوههم
تبدو مبهمة في مخيلتي..
مجرد
رؤوس متساوية بلا ملامح..
أعاود
الابتسام و النظر إلى وجهي في المرآة و
أنا أطرد أشباحهم من خيالي..
فما
الحاجة إلى أن أرى وجوههم؟!..
يكفيني
وجهي!!
أرى
نفسي أقود سيارتي في طريق عودتي من العمل
في مزاج رائق..
وبال
هادئ إلى أن تأتي سيارة من يميني تزاحمني
على أولوية المرور..
وتجبرني
على الوقوف المفاجئ تجنبآ للاصطدام بها..
حينها
أفقد السيطرة على أعصابي..
حينها
أنقب في ذاكرتي مستحضرًا كل الشتائم
الصالحة للاستخدام في مثل هذه المواقف
لأطلقها ساخطًا على قائد السيارة المستهتر
الهمجي و أصب عليه لعناتي!
أبذل
جهًدا كبيرًا في استرجاع هدوء البال
وروقان المزاج وأحاول أن أخرج من رأسي
ذلك السائق الأهوج..
أرى
أشارة المرور في طريقها إلى التحول إلى
الأحمر..
فأضغط
مسرعًا دواسة الوقود للحاق بالعبور قبل
إغلاق الأشارة..
ها
أنا أنحرف مسرعًا لأتفادى المرأة الواقفة
لتعبر الطريق وابنها المعلق في يدها..
أقطع
الطريق على السيارة التي على يساري
لأتجاوزها وأعبر الأشارة في آخر ثانية
قبل غلقها..
يغمرني
شعور بالنشوة و اللذة متولد من تفوقي على
أشارة المرور..
أرى
نفسي أقود سيارتي من جديد وأنا أشعر
بالزهو..
مستعيدًا
حالة روقان مزاج مضاعفة وهدوء بال أكثر..
لا
أعرف السبب في ذعر المرأة و طفلها و عصبية
قائد السيارة عن يساري الذي أجبرته على
الوقوف المفاجئ تجنبا للارتطام بسيارتي
وأنا أتجاوزه مسرعًا..
حقيقةً
لا أعرف..
فأنا
سائق متمكن..
ألمحه
في مرآة سيارتي غاضبًا ملوحٍا بيده..
و
لا أرى سببًا!
أرى
نفسي أقود على مهلٍ..
باحثًا
عن مكان قريب من السوبر ماركت لأترك سيارتي
و أدخل لشراء متطلبات المنزل..
الشارع
مزدحم و لا يبدو هناك أثر لأماكن شاغرة..
ألمح
من بعيد سيارة تستعد للمغادرة و أخرى
متوقفة بعدها في أنتظار المكان..
بمجرد
أن أوشكت السيارة على التحرك و تقدمت
السيارة الأخرى بضعة أمتار لتفسح أمامها
المجال..
كنت
قد وصلت للبقعة الخالية و تقدمت مسرعًا
لأقف بسيارتي في المكان..
قبل
أن يدرك قائد السيارة الأخرى ما الذي
حدث..
كنت
قد غادرت سيارتي متصنعًا عدم ملاحظته و
تجاهلته وأنا أتجه مباشرةً لبوابة السوبر
ماركت وشعور النشوة و الانتصار بداخلي
يزداد!!
قد
يرى البعض تصرفي غير لائق..
لكنني
أراها مهارة و سرعة بديهة!!..
لو
كان قائد السيارة الأخرى إنتظر قبل المكان
وليس بعده لكان هو الفائز بالمكان..
لكنه
يمتلك من الغباء ما يؤهله لخسارة المكان
بجدارة ..لذلك
لا أرى سببًا يمنع استغلال هذا القصور
لصالحي!!
.. هذا
بخلاف أنني قدمت له صنيعٍا بالتعلم من
أخطاءه!!..
أرى
نفسي منتشيٍا و أشعر بالرضا!!
أتأمل
ملامح وجهي باعتزاز..
أتأمل
أسناني ناصعة البياض من خلف ابتسامتي
العريضة..
أرى
نفسي جيدًا و لا أرى سواها..
فأنا
غير نفسي..
لا
أرى..!!
أيمن عبد الجواد
No comments:
Post a Comment