"اذا اردت شيئاً بشدة يتأمر الكون كله لتحقيقه"
عبارة من رواية
الكميائى للكاتب البرازيلى باولو كويلهو, ظننت حين قرأت الرواية لأول مرة انها
مجرد جملة حالمة غير واقعية اصاغها الكاتب البرازيلى لتحفيذ القارئ و حثه على
مطاردة احلامه و السعى لتحقيقها, تذكرت العبارة فجأة و انا استمع لصديقى الجالس
امامى يحكى لى عن أحلامه التى لم تسعفه الظروف على تنفيذها و سرحت لوهلة و انا
استرجع آخر ثلاث اعوام من حياتى, يوم ان كنت اعمل فى احدى الشركات الخاصة عمل إدارى
روتينى كفيل بأصابة اى أنسان طبيعى بحالة من الأحباط لا خلاص منها حيث تتشابه
الايام والاعمال التى لا تتطلب ادنى حد من الخبرة او الموهبة و حيث لا مجال لإكتساب
اية خبرات جديدة, و لكنها تعتبر "شغلانة" مستقرة ذات دخل مضمون و مستقبل آمن..
كانت تراودنى حينها بعد مرور عام كامل افكار من نوعية
"خلاص هى دى الحياة و لازم
ترضى بالأمر الواقع و تتأقلم"
و التى كانت تزيد من حالة الأحباط الموجودة بداخلى,
و زاد الطين بله وجود ذلك الشخص الجامد المتجهم الوجه (مديرى), الذى يمتلك قدرة
هائلة على محاربة اى اقتراح لتغيير طريقة سير العمل الى طريقة أكثر يسرآ او أقل
مللآ, و يمتاز بموهبة فذة فى إبقاء الوضع على ماهو عليه.. تمر الأيام و يزداد
الأحباط و يصبح الأستيقاظ مبكرآ للذهاب الى العمل كل يوم هو أقسى أنواع العذاب -بعد ان كنت اتخيل انه لا يوجد عذاب أقسى من الأستيقاظ للذهاب الى المدرسة- و
أصبحت رؤية مديرى يوميآ مهمة عسيرة و ثقيلة غير محببة للنفس أطلاقاً.
بعد مرور عامين على
هذا الوضع و ذات صباح و انا ارتشف من كوب القهوة الصباحى و أثناء مرور مديرى من
أمامى رأيت نفسى فجأة انا هذا الشخص انا هذا المدير الجامد متجهم الوجه, رأيت نفسى
نسخة طبق الأصل منه شخص روتينى ممل لايعنينى شيئاً فى الحياة إلا إبقاء الوضع على
ما هو عليه و أنتظار أول كل شهر للحصول على مرتبى,
حينها أصابنى الذعر و
حينها أيضاً طفت على سطح الذاكرة أحلامى القديمة التى لم أسعى يوماً لتحقيقها, تذكرت
حلمى فى تعلم الموسيقى و العزف على آالة موسيقية, تذكرت حلمى فى ان أعمل بمجال
احبه يتيح لى الفرصة فى الأبتكار و الأبداع و الخروج من حالة الجمود التى لم أتخيل
نفسى يوماً مصاباً بها...
حينها أيضاً قررت و
أخذت عهداً على نفسى ألا أصبح هذا الشخص مهما كانت النتائج حتى لو أضطرنى قرارى هذا
الى الجوع و التخلى عن دخلى الشهرى الثابت الذى أعتدت عليه و دأبت على أنتظاره
شهرياً لمدة عامين.
حينها و عندما صارحت
احد زملائى بعزمى على الدراسة و السعى لتغيير مجال عملى, و البدء فى تعلم العزف
على آلة موسيقية بعد ان تجاوزت الثانية و الثلاثين من عمرى, ما كان منه إلا ان نظر
لى نظرة لا تعنى الا "ربنا يشفى" أتبعها بقوله "أنت مجنون يابنى؟!!"
اليوم و انا أستمع الى
أحلام صديقى الضائعة وسط زخم و متطلبات الحياة, أتذكر كيف لعب القدر دوراً عظيماً فى
مساعدتى على تحقيق جزء من أحلامى, و كيف أوجد الأشخاص الذين ساعدوا و ساهموا -ولا
زالوا- فى وضعى على طريق الحلم الذى تأخر كثيراً, الحلم الذى فقدت يوماً اى أمل فى
تحقيقه, و الذى ظننت أول الأمر ان ظهور هؤلاء الأشخاص فى حياتى مجرد صدف و حظوظ...
اليوم تيقنت ان الأمر
لا علاقة له بالحظ و لا مجال فيه للصدفه..
اليوم تيقنت من صدق عبارة باولو كويلهو
التى لم أصدقها يومآ حين قرأتها اول مرة.
اليوم لا يسعنى إلا ان
أتوجه بالشكر و الأمتنان لمديرى القديم الذى كرهت ان أكونه يوماً فلولاه لظللت
منتظراً الى الآن المرتب اول كل لشهر..!!
أيمن عبد الجواد
No comments:
Post a Comment