Pages

Tuesday, August 19, 2014

أم بدرية

"يا سعيييد واد يا سعيييد.. إجرى روح لرأفت ع القهوة.. قوله خالتك أم بدرية عاوزاك تيجى الصبح الساعة 8 بالتوك توك توديها البوسطة!".

 رأت أم بدرية سعيد ينظر لها من أسفل ثم يعدوا مسرعًا ويخرج من الحارة الضيقة إلى الشارع حيث توجد القهوة.. كانت تجلس على السرير الموضوع أسفل شباك حجرتها الوحيد والمطل على الحارة الصاخبة المتفرعة من شارع الناصرية بحي السيدة زينب.. أسندت رأسها على قائم السرير الخشبى وهى تتأمل بعض الشقوق الجديدة التي ظهرت على سقف الحجرة المستطيلة ليمتلئ السقف شاهق الارتفاع بالشقوق الطولية والتي يظهر بعضها العوارض الخشبية المستخدمة في بناء المبنى العتيق الذي يتكون من ثلاث طوابق.. كل طابق مقسم إلى ثماني حجرات صغيرة تسكنها ثمان أسر يشتركون جميعًا في حمام واحد بكل طابق.. والذي ظل قائمًا على الرغم من مرور ما يقرب من المائة عام على بنائه.. قضت منهم أم بدرية معظم سنوات عمرها الذي يقترب من الثمانين.
  تحسست أم بدرية جبهتها الممتلئة بالشقوق ثم نظرت لنفسها في المرآة الصدئة الصغيرة ذات الإطار البلاستيكى الأخضر المعلقة على الحائط و هي تقارن الشبه بين شقوق وجهها و شقوق سقف حجرتها التي تبقى فيها وحيدة بعد سفر بدرية إبنتها مع زوجها للعمل بالخارج.. لا تخرج من حجرتها إلا مرة واحدة شهريًا.. تذهب فيها لصرف الحوالة البريدية التي ترسلها ابنتها أول كل شهر.. فيما عدا ذلك تبقى أم بدرية بحجرتها و تعتمد على بعض جيرانها الذين يقضون لها حوائجها و طلباتها.

   تكره أم بدرية الخروج من حجرتها.. تكره الخروج لمكتب البوسطة تحديدًا، على الرغم من انتظارها للحوالة البريدية -التي لم تُرسل منذ شهرين- بفارغ الصبر لم تدفع خلالهما إيجار الحجرة و كادت أن تتضوّر جوعًا لولا مساعدة الجيران.. إلّا أنها تتوتر و تصاب بالذعر عندما تتذكر ضرورة الذهاب إلى مكتب البوسطة.. لم تكن سلالم المبنى ذا الثلاث طوابق شاهقة الارتفاع هو سبب المشكلة.. فهي تهبط و تصعد السلم على مهلٍ.. وتجلس لتستريح من حين إلى آخر.. لم يكن مكتب البوسطة بعيدًا.. ودائمًا ما يوصلها رأفت شقيق زوج ابنتها بالتوك توك إلى هناك.. وينتظرها على أول الشارع المقابل لمكتب البوسطة القابع على الطريق العمومي و يعيدها مرة أخرى.. شئ واحد كان يؤرق أم بدرية و يصيبها بالذعر.. شئ واحد كانت تكره المشوار لأجله.. شئ واحد كان التفكير فيه يصيبها بالأرق كل ليلة تسبق ذهابها لمكتب البوسطة ويطرد النوم من عينيها.. هذا المشوار اللعين لايعوقه إلا شيئًا واحدًا يتمثل في سؤال واحد يظل يتردد برأسها طوال الليل ليتحول إلى تساؤلات عديدة عن فرص عودتها سالمة.. عن فرص بقائها على قيد الحياة حتى تعود إلى حجرتها مرة أخرى.. لتعود كل التساؤلات ثانية إلى سؤال واحد يفرض نفسه داخل رأسها بقوة..
"لما أنزل من التوك توك وسط الزحمة و العربيات دى كلها.. هاعرف أعدى الشارع ولا لأ...؟!!".

أيمن عبد الجواد

1 comment:

  1. جميلة يا أيمن، إستمر يا صديقي :)

    ReplyDelete